اشكاليات اصلاح أنظمة التقاعد في المغرب


 

اشكاليات اصلاح أنظمة التقاعد في المغرب

يوسف لخضر


بعد توقف دام تسع سنوات، عقدت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، التي تضم الحكومة والنقابات واتحاد أرباب العمل، أول اجتماع لها الأربعاء، انتهى بالمصادقة على تحديد أجل 6 أشهر للوصول إلى حلول لمواجهة أزمة صناديق التقاعد.

وتُعاني الأنظمة الأساسية للتقاعد وضعاً مالياً صعباً يتجلى في ارتفاع قيمة ديونها الضمنية ونفاد احتياطاتها في آفاق قريبة. وتفكر الحكومة في إصلاح شمولي يقضي بإحداث نظام ثنائي القطب، عمومي وخاص، في البداية.

وكان موضوع إصلاح التقاعد في صلب اهتمام عدد من مؤسسات الدولة، من بينها بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ هذا الأخير شدد على ضرورة المضي مستقبلاً نحو نظام وطني موحد.

بين السهل والصعب

كُلما أثير الحديث عن إصلاح التقاعد تتبادر إلى الذهن مباشرة جملة من الحلول؛ من رفع سن الإحالة على التقاعد والزيادة الاشتراكات وخفض نسبة التعويضات الممنوحة… وهي حلول تبقى سهلة بالنسبة للدولة، لكنها ذات أثر سلبي على الموظفين والأجراء.

معضلة الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يدبر معاشات موظفي الدولة، تعود لاستقرار معدل التوظيف في القطاع العام، بحيث لا يتجاوز إجمالي الموظفين الحاليين 900 ألف، مقابل ارتفاع مضطرد في المتقاعدين، ما ينتج عنه انخفاض المشتركين مقابل المستفيدين؛ وهو أمر مرتبط بمحدودية الدولة في توظيف أعداد أكبر كل سنة.

وفي ما يخص القطاع الخاص، يطرح الحسين اليماني، عضو المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يدبر التغطية الصحية والمعاشات لفائدة أجراء القطاع الخاص، حلولاً عدة، لكنها “تحتاج جرأة وشجاعة من طرف الدولة”.

من بين هذه الخيارات، يورد اليماني ضرورة مراجعة مقتضيات تدبير احتياطيات الصندوق عبر إلغاء إجبارية إيداعها في صندوق الإيداع والتدبير، وفتح الإمكانية لإيداعها حسب المردودية العالية الممكنة.

وحسب الفصل 30 من نظام الضمان الاجتماعي فإن الأموال المتوفرة لدى الصندوق غير الأموال اللازمة لتسييره العادي تُودَع وجوباً لدى صندوق الإيداع والتدبير. وأشار اليماني إلى أن مقدار الفائدة التي يمنحها الصندوق لفائدة الضمان الاجتماعي برسم الإيداع أقل من 3 في المائة، عكس الأسواق المالية التي تفوق في بعض الأحيان 5 في المائة.

ويؤكد المتحدث ذاته أيضاً على أهمية محاربة التهرب من التصريح لدى الصندوق، سواء كان تهرباً بالكامل أو التصريح بجزء فقط من الأيام أو الأجور؛ وهي مسؤولية شدد على أنها “تُلقى على عاتق الدولة بصفة عامة، للوصول إلى التصريح التلقائي والإرادي بهدف رفع عدد المنخرطين في الصندوق، وبالتالي رفع موارده وادخاره”.

معطى آخر أورده اليماني، يتمثل في وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ قال: “الدولة تترأس المجلس الإداري للصندوق، لكنها لا تساهم بأي درهم، ولم توف أيضاً بالتزاماتها في صندوق التعويض عن فقدان الشغل الذي يدبره الضمان الاجتماعي”.

كما طالب عضو المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بـ”إرجاع الأموال المختلسة من الصندوق في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، خصوصاً أن الأمر صدرت بخصوصه أحكام نهائية، وهو ملف يستوجب إبلاغ الرأي العام بمآله”.

التوجه نحو نظام وطني موحد يمكنه أن يعالج مشاكل أنظمة التقاعد بشكل شامل، لكن ذلك يتطلب وفق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 3 ركائز، أولها اعتماد دعامة إجبارية أساسية يتم تدبيرها وفق قاعدة التوزيع، وتشمل الأشخاص النشيطين من القطاعين العام والخاص وغير الأجراء، يتوحدون في سقف اشتراكات يتم تحديده كمضاعف للحد الأدنى للأجور.

الركيزة الثانية لنجاح نظام وطني موحد للتقاعد هي الاعتماد على دعامة إجبارية تكميلية قائمة على مبدأ المساهمة بالنسبة للدخول التـي تفوق السقف المحدد، ودعامة ثالثة اختيارية تقوم على الرسملة في نطاق التأمين الخاص الفردي أو الجماعي.

كما يوصي المجلس بمراجعة سياسة توظيف الأموال المتأتية من احتياطات الصناديق، واعتماد مقاربة موحدة للجوانب المتصلة بالغايات والتأثيرات المنشودة والتدبيـر والمراقبة، مع العمل بشكل خاص على تشجيع الاستثمار طويل المدى في احترام تام للقواعد الاحترازية، وذلك في قطاعات وأنشطة تساهم في إحداث مناصب الشغل وتحقيق الرفاه الاجتماعي وحماية البيئة.

الوضعية الديمغرافية

يتكون قطاع التقاعد في المغرب من أنظمة أساسية إجبارية عدة، من بينها نظاما المعاشات المدنية والعسكرية بالصندوق المغربي للتقاعد، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الذي يخضع له الموظفون في المؤسسات العمومية والجماعات الترابية.

ويشمل القطاع نظام الضمان الاجتماعي الذي ينخرط فيه أجراء القطاع الخاص ويشرف عليه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إضافة إلى نظامين داخليين لبنك المغرب والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ناهيك عن أنظمة تقاعد تكميلية.

وبحسب معطيات هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بلغ عدد المساهمين النشيطين في أنظمة التقاعد خلال 2020 حوالي 4.5 ملايين شخص، منهم 3.5 ملايين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و900 ألف للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و180 ألفا للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد؛ إضافة إلى حوالي 4000 للأنظمة الداخلية.

وتبلغ نسبة التغطية المتعلقة بالتقاعد 42.4 في المائة من الساكنة النشيطة العاملة التي تناهز 10.5 ملايين نسمة، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط عام 2020.

ويعتبر المُعامل الديمغرافي أهم مؤشر يعطي توقعات بخصوص أي نظام تقاعد. ويحظى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأعلى معدل بحوالي 7.5 مشتركين، مقابل 1 متقاعد عام 2020، مقابل 2 مشترك بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد، و2.2 بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ما يعادل معدل معامل في المجموع بحوالي 4.9.

وفي سنة 2020، عرفت الوضعية المالية للأنظمة الأساسية عجزاً تقنياً قدره 10.8 مليارات درهم، مقابل 7.1 مليار درهم سنة 2019. وتفيد الإسقاطات الإكتوارية بأن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيسجل أول عجز إجمالي عام 2027، مع نفاد احتياطاته في 2040.

وبالنسبة لنظام المعاشات المدنية فقد سجل أول عجز عام 2015 دفع الحكومة إلى رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، أما نفاد احتياطاته فمتوقع عام 2028، في حين ينتظر النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد تسجيل أول عجز العام المقبل ونفاد احتياطاته عام 2044

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال